الحرص على الجماعة والحذر من الفرقة " للشيخ هادي النزال وفقه الله تعالى

*🔺"الحرص على الجماعة والحذر من الفرقة"🔺*

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم اللهم تسليماً مزيداً..
أما بعد:


▪️إن من أعظمِ أبوابِ الخيرِ السعيَ للتأليف بين المسلمين، واجتماعهِم، واتفاقِ كلمتِهم، على الحقِّ، وهو الكتابُ والسنةُ بفهمِ سلفِ الأمةِ، فهذا من أعظمِ أبوابِ البرِّ التي أمرنا اللهُ عز وجل بها، وكذلك من أعظمِ أبوابِ الإثمِ والعدوانِ، السعيَ في تفريقِ كلمةِ المسلمين وزرعَ الخلافِ والاختلافِ بينهم، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
▪️وقد قصّ علينا ربنا في القرآنِ العظيمِ عن حال الرسلِ الذينَ اصطفاهم، وبعثَهم لتبليغِ رسالاتهِ، وذكَرَ نُصحَهم لأقوامِهِم وحُرصَهُم على اجتماعِهم على الإسلام، ونهيَهُم عن التفرقِ والاختلافِ، فقال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}.
▪️وقال تعالى عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}، ولذلك كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم، يهتمُّ بهذا الأصلِ العظيمِ اهتماماً واضحاً، فيأمرُ بالجماعةِ، وينهى عن الفُرقةِ،
▪️وقد جاء في الحديثِ المتفقِ عليه: ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عبادَ اللهِ إخواناً، المسلمُ أخو المسلمِ، لا يَظلمهُ، ولا يَخذلهُ، ولا يَكذبهُ)،
▪️وجاء في صحيح مسلم، من حديث تميم الداري، قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(الدينُ النصيحةُ)،
قلنا لمن يا رسول الله؟،
قال: (للهِ، ولرسولهِ، ولأئمةِ المسلمين، وعامتِهم)،
ويقول صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
▪️فأقول: من النصيحةِ للمسلمين؛ بل من أعظمِ النصيحةِ للمسلمين السعيُ في تأليفِ قلوبِهم على الجماعةِ، والنهيُ عن تفرقِهم، وهذا ما كان يسعى إليه رسولُنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان يقول: (وكونوا عباد الله إخواناً).
▪️فلا يجمعنا إلا كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم الصحابة، وهذا هو منهج السلف الصالح، كما قال الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ومن ترك هذا المنهج وزلّ عنه فمصيره التفرّق والاختلاف، ثم العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}.
▪️والناظر لحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ يرى ذلك المنهج واضحاً جلياً، كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار؛ بل كيف كان حال الأنصارِ (الأوس والخزرج) قبل قدومِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليهم، كانوا متفرقين متناحرين، متقاتلين، ثم جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الكتاب والسنة وهو الصراط المستقيم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لهم ، تذكيراً لهم بفضلِ الله تبارك وتعالى عليهم بالاجتماعِ بعد التفرقِ، وبالتآلفِ بعد الاختلافِ، وبالمحبةِ بعد البغضِ، وبالإخوةِ بعد العداوةِ والكراهيةِ، كما جاء في الحديثِ المتفقِ عليهِ: (يا معشرَ الأنصارِ: ألم أجدكم ضُلّالاً فهداكم اللهُ بي، متفرقين فجمعكُم الله بي، عالةً فأغناكم الله بي)، وكانوا كلما قال لهم شيئاً، قالوا: اللهُ ورسولُه أمنُّ.
▪️وكان صلى الله عليه وسلم ينكر الانتماءات لغير هذا الدين ولغير هذا المنهج، فلا حزبية ولا قبلية ولا عشائرية مقدمة على إخوة الدين؛ بل من قدمها على دين الله تعالى وصف بأوصاف شنيعة لأنها من أمور الجاهلية، التي أُمرنا بتركها، كما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنّا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين.
فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما بال دعوى جاهلية؟
قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار.
فقال: دعوها فإنها منتنة.
▪️ولذلك كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحرَصُ أشدَّ الحُرْصِ على الجماعة والاجتماع على هذا الأصلِ لما فيه من الخيرِ العظيمِ، ولما في تركهِ من الشرِ العظيمِ، وكان صلى الله عليه وسلم يحذّرُ من تبليغِ الكلامِ الذي يغيّرُ القلوبَ، ويقذفُ فيها الكراهيةَ والاختلافَ،
▪️جاء عند الامام أحمد في مسنده، وأبي داود والترمذي، أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قال: ( لا يبلّغُني أحدٌ عن أحدٍ شيئاً، فإني أحبُّ أن أخرجَ إليكم وأنا سليمُ الصدرِ)؛ بل كان صلى الله عليه وسلم من حرصهِ على الجماعةِ، وبُعدهِ عن اسبابِ الفُرقةِ، كان يستشيرُهُ بعضُ أصحابِه في قتلِ بعضِ المنافقين، وهم مستحقونَ للقتلِ، - لما يصدر منهم من اعتداء على النبي صلى الله عليه وسلم -، فينهى عن ذلكَ، تأليفاً للقلوبِ، ويقول: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتلُ أصحابَه) والحديث في الصحيحين.
▪️فأسأل الله العظيم أن يجمعنا على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وأن لا يزغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن لا يجعلنا ضالين ولا مضلين، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن...
والله تعالى أعلم...
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

 ✍️كتبه: أبو ليث هادي النزال
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم ينشر المنهج الحق ©2023 إتباع السنة نجاة
تصميم : اخ الاسلام