بسم الله الرحمن الرحيم
إتحاف غير المستزيد بأحكام العيد
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبدهُ و رسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيراً و نساءً و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
أمابعد : فإن أصدق الحديث كلام الله و خيرُ الهدي هديُ محمدٍ – صلى الله عليه سلم وشر الأُمورِ محدثاتُها و كل محدثةٍ بدعة و كل بدعةٍ ضلالة و كل ضلالةٍ في النارِ .
فهذه كلماتٌ عن العيدِ تشتمل على بعض آدابه و أحكامه من الكتاب و السنة ، وذلك لما رأينا من عزوف أكثرُ أهل زماننا عن الكتب سيما الطويلةِ ليأخذوا منها هذه الآداب والأحكام ، لذا فقد أخرجنا هذه الرسالة الصغيرة في حجمها، من هذه الكتب ليسهل تناولها والاستفادة منها لعموم المسلمين، وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا الجهد القليل خالصاً لوجهه الكريم إنه سميعٌ عليمٌ .
معنى العيد :
والعيدُ مشتقٌ من العَوْدِ لتكررهِ كل عام ٍ ، وقِيلَ لكثرةِ عوائدِ الله تعالى فيهِ على عبادهِ ، و قيلَ لِعَوْدِ السرورِ بِعْودِهِ ، و جمعُهُ أعيادٌ . و هو خصيصةُ هذهِ الأُمة فلا يجوز لهم أن يتخذوا أعياداً أُخرى غيرَ هذين العيدين ، عيد الأضحى و عيد الفطر ، والثالث هو عيد الجمعة فهو العيد الأصغر، فعن أنس قال : قدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: { ما هذان اليومان " ؟ قالوا: كنا نلعبُ فيهما في الجاهليةِ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى و يوم الفطر }[أخرجهُ أبو داوود ، قال الشيخ الألباني : صحيح] .
وعن عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت: دخلَ أبو بكرٍ وعندي جاريتينِ من جواري الأنصارِ تغنيانِ بما تقاولت الأنصارُ يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين فقال أبو بكرِ أمزامير الشيطان في بيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ و ذلك في يومِ عيدٍ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم { يا أبا بكرٍ إن لكل قومٍ عيداً و هذا عيدنا }[أخرجهُ البخاري برقم 909 ومسلم برقم 892] .
يقولُ الشيخ الفوزان : ( فلا يجوز إحداث عيد آخر غير هذين العيدين ، عيد الفطر و الأضحى فمن فعل ذلك فهو بدعة ) شريط رقم 5 من شرح بلوغ المرام .
الفرحُ يوم العيد :
ويشرع الفرح و إظهار السرور في هذا اليوم المبارك و لكن في حدودِ الشرع الحنيف ، فلا يجوز إظهار العورات ولا فعل المنكرات باسمِ العيد . قالت عائشة رضي الله عنها رأيتُ النبي صلى الله عليه و سلم يستُرني و أنا أنظرُ إلى الحبشةِ و هم يلعبون في المسجدِ فزجرهم عمر رضي الله عنهُ فقال النبي صلى الله عليه و سلم { ( دعهم أمنا بني أرفده ) . يعني من الأمن } أخرجهُ البخاري برقم 944 و مسلم برقم 892 .
وفي الحديثِ أن النبي صلى الله عليه و سلم يسترُ عائشةَ رضي الله عنها محافظة منهُ على حدود الشرعِ . ومن الفرح في هذا اليوم التجمل بلبس الثياب الجيدة و الجديدة إن أمكن ذلك ، فقد ترجم البخاري باباً بعنوان : في العيدينِ و التجمل فيهما وذكر تحته الحديث : عن عبد الله بن عمر قال : { أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ابتع هذه أتجمل بها للعيد و الوفود فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما هذه لباس من لا خلاق له ) . فلبث عمر ما شاء الله أن يلبث ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بجبة ديباج فأقبل بها عمر فأتى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول إنك قلتَ: ( إنما هذه لباس من لا خلاق له ) وأرسلت إلي بهذه الجبة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تبيعها أو تصيب بها حاجتك ).[أخرجهُ البخاري برقم 906].
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على عمر رضي الله عنه التجمل ليوم العيد وإنما أنكرَ عليه كون هذا الثوب الذي بعثه إليه كان من الحريرِ و هو محرم ، و عمر رضي الله عنه ما كان يعلم بالحرمة إلا وقتئذٍ .
التكبير في العيدين :
ويسن التكبير في العيدينِ في عيدِ الأضحى من أول يوم من شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق ، قال ابن عباس رضي الله عنه : (واذكروا الله في أيامٍ معلوماتٍ) : أيام العشر والأيام المعدودات: أيام التشريق.
يفسر رضي الله عنهما الأيام المعدودات في قوله تعالى: { و اذكروا الله في أيام معدودات } [البقرة 202] بأيام التشريق. والأيام المعلومات في قوله تعالى: { و يذكروا اسم الله في أيام معلومات } [الحج 28 ] العشر الأول من ذي الحجة .
وكان ابن عمر و أبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران و يكبر الناس بتكبيرهما .
والتكبير في عيدِ الفطرِ من الخروجِ إلى صلاةِ العيدِ إلى خروجِ الإمامِ للصلاةِ ، و صيغةُ التكبيرِ ( الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، و لله الحمد ). وهناك صيغٌ كثيرةٌ هذا أصحها ، ولا يجوزُ التكبير الجماعي دبر الصلوات ولا غيرها، إلا إذا كان ذلك غير مقصود، وبهذا تعلم أن ما يقوم به كثير من أهل المساجد من التكبير الجماعي بصوت مرتفع ثلاث مرات بدعة لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح ، وبهذا أفتى العلماء منهم اللجنة الدائمة والمشايخ ابن باز والألباني وابن عثيمين رحمهم الله تعالى .
الاغتسال للعيدينِ :
ويسن الاغتسال ليومِ العيد لما رواه البيهقي عن زاذان قال : ( سأل رجل علياً رضي الله عنه عن الغسلِ ؟ قال : اغتسل كل يومٍ إن شئت ، فقال : لا ، الغسل الذي هو الغسل ، قال : يوم الجمعة ، و يوم عرفة ، و يوم النحر ، و يوم الفطر ) وقال الألباني سندهُ صحيح .
مخالفة الطريق:
ومن السنة أن يذهب إلى صلاةِ العيد ماشياً في طريق، وأن يرجع في طريق آخر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: { كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيرهِ } .
عدم حمل السلاح في العيد
ويكره حمل السلاح في هذا اليوم المبارك ، فضلاً عن رمي الاطلاقات النارية، لأنه يوم فرح وسرور فلا يناسب ذلك فيه ، إلا لمن خاف عدواً فعن سعيد بن جبير قال: [ كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه فلزقت قدمه بالركاب فنزلت فنزعتها وذلك بمنى فبلغ ذلك الحجاج فجعل يعوده فقال الحجاج لو نعلم من أصابك ؟ فقال ابن عمر أنت أصبتني قال وكيف ؟ قال حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم ].
وقال الحسن { نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدوا }.
صلاةُ العيدِ في المصلى :
ويسن أداء صلاةُ العيدِ في المصلى وذلك لأن كل الأحاديث في صلاةِ العيدِ تشيرُ إلى ذلك، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في المسجدِ ولا مرة واحدة إلا حديثاً واحداً أنه صلاها مرة في يومِ مطرٍ في المسجد وهو حديثٌ ضعيفٌ ضعفه الشيخ الألباني، وهو لو صح فإنه لعلة وهي المطر .
وقال الشيخ الألباني في رسالتهِ ( صلاة العيدين في المصلى ): دلالة الأحاديث على أن السنة الصلاة في المصلى .
إذا عُرِفَتْ هذه الأحاديث فهي حجة قاطعة على أن السنة في صلاة العيدين أن تؤدى في المصلى و بذلك قال جمهور العلماء ، ففي " شرح السنة " للإمام البغوي : السنةُ أن يخرجَ الإمام لصلاة العيدين إلا من عذرٍ فيصلي في المسجدِ . وترجم البخاري : بابُ الخروجِ إلى المصلى بغيرِ منبرٍ . والمصلى مكان واسع خارج البناء وكان يسمى الجبانة ، ولا يشترط أن يكون بعيداً عن البناء لان المصلى الذي كان يخرج اليه النبي صلى الله عليه وسلم كان قريباً عن مسجده ، ولا يصح قولهم أن المسجد كان يضيق بالمصلين يوم العيد ومن أجل ذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس إلى المصلى وأما المساجد الآن فهي كبيرة تستوعب المصلين ، فهذه دعوى عارية عن الدليل لا تقاوم السنة الثابتة من فعله صلى الله عليه وسلم ، ثم هذه الدعوى احتمال ، وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال ، كما قال العلماء ، وأيضاً فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر الحُيض والنُفَساء أن يخرجن إلى المصلى ، فأين تجعلوهن في المسجد ، وقد منع الشرع من مكوثهن فيه ، فلله در القائل :
وخير الأمور ما كان سنةً وشر الأمر المحدثات البدائع.
وقتُ صلاةُ العيدينِ :
وتبدأُ صلاة عيد الأضحى إذا ارتفعت الشمسُ مقدار رمحٍ و ذلك لكي يتعجل المسلم لذبحِ أُضحيتهِ ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرجع من الصلاة فيذبح الاضحية ويأكل من لحمِ أُضحيته ، عن بريدة رضي الله عنه قال: { ولا يُطعم يوم الأضحى حتى يرجع }.
وأما في عيدِ الفطرِ فإنه كان يأكل قبل الذهاب إلى الصلاة ، يأكل تمرات وتراً ، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات . و قال مرجأ بن رجاء حدثني عبيد الله قال حدثني أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم و يأكلهن وترا }.
ولذلك فإنها تتأخر قليلاً عن صلاة الأضحى.
صفةُ صلاةُ العيدين :
ويبدأ فيصلي صلاة العيدين ركعتانِ يكبر في الأولى سبعَ تكبيراتٍ عدا تكبيرةَ الإحرامِ وذلك قبل القراءة وفي الثانيةِ خمسُ تكبيراتٍ عدا تكبيرةُ الإنتقال قبل القراءة أيضاً ، ويسن للمصلي أن يقول بعد كل تكبير: الحمد لله ويثني على الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، قال عقبة بن عامر: سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد قال يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم رواه الأثرم وحرب واحتج به أحمد ) وصححه الشيخ الالباني برقم 642 ،ارواء الغليل .
وقال شيخ الاسلام رحمه الله: وَأَمَّا بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ: فَإِنَّهُ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ. هَكَذَا رَوَى نَحْوَ هَذَا الْعُلَمَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَإِنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي كَانَ حَسَنًا. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. وَنَحْوُ ذَلِكَ.
ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة ق و في الثانية ب اقتربت ، أو سبح و الغاشية، فعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأُ في العيدينِ و في الجمعةِ بسبح اسم ربك الأعلى و هل أتاك حديثُ الغاشية } ثم يقوم الإمام تجاه الناس فيعضهم و يذكرهم بأهم الأمور، خطبة واحدة ، لم يصح أنه كان يكبر فيها . عن أبي سعيدٍ الخدري قال: { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شئٍ يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس و الناس جلوس على صفوفهم فيعضهم و يوصيهم و يأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه أو يأمر بشئ أمر به ثم ينصرف }
لا أذانَ لها و لا إقامة:
ما كان النبي صلى الله عليه سلم يؤذن لها ولا يقيم ، عن جابر بن سمرة قال : { صليتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه و سلم العيدين غير مرةٍ و لا مرتين بغيرِ أذانٍ و لا إقامةٍ } و مثله عن جابرٍ بن عبد الله و ابن عباسٍ رضي الله عنهم .
وما كان يصلي قبل صلاة العيدِ و لا بعدها في المصلى، فعن ابن عباس: { أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصلي قبلها و لا بعدها } فليس لها صلاة تحية مسجد ، لأن المصلى ليس له حكم المسجد .
ويشرع له أن يصلي ركعتين في بيته إذا رجع فعن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين]
حكمُ صلاة العيد :
وحكم صلاة العيد الوجوب وجوبا عينيا وذلك لقول الله تعالى ( فصل لربك و انحر) [ الآية 2 من سورة العصر ] و الصلاةُ هنا هي صلاة العيدِ، ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر النساء أن يشهدنها و يصلين بل حتى الحيض والنفساء أمرهن أن يشهدنها و لا يصلين بل يكن وراء الناس وذلك من تعظيم شعائر الله ، عن أُم عطية قالت : { أمرنا أن نُخْرِج الحيض يوم العيدين و ذوات الخدور فيشهدان جماعة المسلمين و دعوتهم و يعتزل الحيض عن مصلاهن قالت إمرأة يا رسول الله إحدانا ليس لها جلباب ؟ قال ( لتلبسها صاحبتها من جلبابها ) } .
فمن هذا استنبطَ كثيرٌ من العلماء وجوب صلاة العيدِ منهم الأحناف والمشايخُ شيخ الإسلامِ ابن تيمية والألباني وابن عثيمين رحمهم الله وغيرهم ، وأيضاً فصلاة العيد تجزئ عن صلاةِ الجمعةِ و هي فرضُ عينٍ و هذا دليلٌ قويٌ على فرضية صلاة العيدِ .
وأما الخطبة فالاستماع إليها سنة فعن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال : [ حضرت العيد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم . فصلى بنا العيد ثم قال ( قد قضينا الصلاة . فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس . ومن أحب أن يذهب فليذهب ) ].
اجتماع العيد والجمعة :
وإذا اجتمع العيدُ والجمعةُ فإن صلاة العيد تجزئ عن صلاة الجمعة ، عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال { قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة و إنا مجمعون } قال عمر عن شعبة [قال الشيخ الألباني : صحيح] . وعن عطاء بن أبي رباح قال: ( صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدنا و كان ابن عباسٍ بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال أصاب السنة )[قال الشيخ الألباني : صحيح].
وقال عطاء : ( اجتمع يوم الجمعةِ و يوم الفطرِ على عهدِ ابن الزبير فقال عيدان اجتمعا في يومٍ واحدٍ فجمعهما جميعاً جميعاً فصلاهما ركعتين بكرةً لم يزد عليهما حتى صلى العصر )[ قال الشيخ الألباني : صحيح].
وعلى الإمام أن يصليها بمن حظر للحديث: عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال:(" قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون ")[قال الشيخ الألباني : صحيح] .
وقال شيخ الاسلام رحمه الله: الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ، لَكِنْ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ لِيَشْهَدَهَا مَنْ شَاءَ شُهُودَهَا، وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ. وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ: كَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ. وَلَا يُعْرَفُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ.
وَأَصْحَابُ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا اجْتَمَعَ فِي يَوْمِهِ عِيدَانِ صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ فَلْيَشْهَدْ، فَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ الْعِيدَ حَصَلَ مَقْصُودُ الِاجْتِمَاعِ، ثُمَّ إنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ، فَتَكُونُ الظُّهْرُ فِي وَقْتِهَا، وَالْعِيدُ يُحَصِّلُ مَقْصُودَ الْجُمُعَةِ. وَفِي إيجَابِهَا عَلَى النَّاسِ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِمْ، وَتَكْدِيرٌ لِمَقْصُودِ عِيدِهِمْ، وَمَا سُنَّ لَهُمْ مِنْ السُّرُورِ فِيهِ، وَالِانْبِسَاطِ. فَإِذَا حُبِسُوا عَنْ ذَلِكَ عَادَ الْعِيدُ عَلَى مَقْصُودِهِ بِالْإِبْطَالِ، وَلِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِيدٌ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ عِيدٌ، وَمِنْ شَأْنِ الشَّارِعِ إذَا اجْتَمَعَ عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَدْخَلَ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى كَمَا يَدْخُلُ الْوُضُوءُ فِي الْغُسْلِ، وَأَحَدُ الْغُسْلَيْنِ فِي الْآخَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
التهنئة بالعيد
تستحب التهنئة بالعيد وهي أن يقول المسلم لأخيه المسلم إذا لقيه في يوم العيد وأيام التشريق : تقبل الله منا ومنك" فعن جبير بن نفير قال : [ كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك ] والأمر في التهنئة واسع لأنه من قبيل العادات مثل أسعد الله أيامكم وغير ذلك ويتجنب المسلم ما كان من عادة الكفار مثل (كل عام وأنتم بخير) والله أعلم.
النهي عن صيام العيدين :
ولا يجوز أن يصام يوم العيدِ لا صيامَ نفلٍ ولا قضاء لفائت ولا أداء لكفارة، فعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن صيامِ يومين يومُ الفطرِ ويومُ النحرِ } .
وأخيراً أسألُ الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم العظيم القويم و إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ومنهج سلفهم الكرام إنهُ سميعُ عليم كريم . وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .
كتبهُ سعد النايف
إتحاف غير المستزيد بأحكام العيد
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبدهُ و رسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيراً و نساءً و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
أمابعد : فإن أصدق الحديث كلام الله و خيرُ الهدي هديُ محمدٍ – صلى الله عليه سلم وشر الأُمورِ محدثاتُها و كل محدثةٍ بدعة و كل بدعةٍ ضلالة و كل ضلالةٍ في النارِ .
فهذه كلماتٌ عن العيدِ تشتمل على بعض آدابه و أحكامه من الكتاب و السنة ، وذلك لما رأينا من عزوف أكثرُ أهل زماننا عن الكتب سيما الطويلةِ ليأخذوا منها هذه الآداب والأحكام ، لذا فقد أخرجنا هذه الرسالة الصغيرة في حجمها، من هذه الكتب ليسهل تناولها والاستفادة منها لعموم المسلمين، وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا الجهد القليل خالصاً لوجهه الكريم إنه سميعٌ عليمٌ .
معنى العيد :
والعيدُ مشتقٌ من العَوْدِ لتكررهِ كل عام ٍ ، وقِيلَ لكثرةِ عوائدِ الله تعالى فيهِ على عبادهِ ، و قيلَ لِعَوْدِ السرورِ بِعْودِهِ ، و جمعُهُ أعيادٌ . و هو خصيصةُ هذهِ الأُمة فلا يجوز لهم أن يتخذوا أعياداً أُخرى غيرَ هذين العيدين ، عيد الأضحى و عيد الفطر ، والثالث هو عيد الجمعة فهو العيد الأصغر، فعن أنس قال : قدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: { ما هذان اليومان " ؟ قالوا: كنا نلعبُ فيهما في الجاهليةِ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى و يوم الفطر }[أخرجهُ أبو داوود ، قال الشيخ الألباني : صحيح] .
وعن عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت: دخلَ أبو بكرٍ وعندي جاريتينِ من جواري الأنصارِ تغنيانِ بما تقاولت الأنصارُ يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين فقال أبو بكرِ أمزامير الشيطان في بيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ و ذلك في يومِ عيدٍ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم { يا أبا بكرٍ إن لكل قومٍ عيداً و هذا عيدنا }[أخرجهُ البخاري برقم 909 ومسلم برقم 892] .
يقولُ الشيخ الفوزان : ( فلا يجوز إحداث عيد آخر غير هذين العيدين ، عيد الفطر و الأضحى فمن فعل ذلك فهو بدعة ) شريط رقم 5 من شرح بلوغ المرام .
الفرحُ يوم العيد :
ويشرع الفرح و إظهار السرور في هذا اليوم المبارك و لكن في حدودِ الشرع الحنيف ، فلا يجوز إظهار العورات ولا فعل المنكرات باسمِ العيد . قالت عائشة رضي الله عنها رأيتُ النبي صلى الله عليه و سلم يستُرني و أنا أنظرُ إلى الحبشةِ و هم يلعبون في المسجدِ فزجرهم عمر رضي الله عنهُ فقال النبي صلى الله عليه و سلم { ( دعهم أمنا بني أرفده ) . يعني من الأمن } أخرجهُ البخاري برقم 944 و مسلم برقم 892 .
وفي الحديثِ أن النبي صلى الله عليه و سلم يسترُ عائشةَ رضي الله عنها محافظة منهُ على حدود الشرعِ . ومن الفرح في هذا اليوم التجمل بلبس الثياب الجيدة و الجديدة إن أمكن ذلك ، فقد ترجم البخاري باباً بعنوان : في العيدينِ و التجمل فيهما وذكر تحته الحديث : عن عبد الله بن عمر قال : { أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ابتع هذه أتجمل بها للعيد و الوفود فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما هذه لباس من لا خلاق له ) . فلبث عمر ما شاء الله أن يلبث ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بجبة ديباج فأقبل بها عمر فأتى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول إنك قلتَ: ( إنما هذه لباس من لا خلاق له ) وأرسلت إلي بهذه الجبة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تبيعها أو تصيب بها حاجتك ).[أخرجهُ البخاري برقم 906].
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على عمر رضي الله عنه التجمل ليوم العيد وإنما أنكرَ عليه كون هذا الثوب الذي بعثه إليه كان من الحريرِ و هو محرم ، و عمر رضي الله عنه ما كان يعلم بالحرمة إلا وقتئذٍ .
التكبير في العيدين :
ويسن التكبير في العيدينِ في عيدِ الأضحى من أول يوم من شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق ، قال ابن عباس رضي الله عنه : (واذكروا الله في أيامٍ معلوماتٍ) : أيام العشر والأيام المعدودات: أيام التشريق.
يفسر رضي الله عنهما الأيام المعدودات في قوله تعالى: { و اذكروا الله في أيام معدودات } [البقرة 202] بأيام التشريق. والأيام المعلومات في قوله تعالى: { و يذكروا اسم الله في أيام معلومات } [الحج 28 ] العشر الأول من ذي الحجة .
وكان ابن عمر و أبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران و يكبر الناس بتكبيرهما .
والتكبير في عيدِ الفطرِ من الخروجِ إلى صلاةِ العيدِ إلى خروجِ الإمامِ للصلاةِ ، و صيغةُ التكبيرِ ( الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، و لله الحمد ). وهناك صيغٌ كثيرةٌ هذا أصحها ، ولا يجوزُ التكبير الجماعي دبر الصلوات ولا غيرها، إلا إذا كان ذلك غير مقصود، وبهذا تعلم أن ما يقوم به كثير من أهل المساجد من التكبير الجماعي بصوت مرتفع ثلاث مرات بدعة لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح ، وبهذا أفتى العلماء منهم اللجنة الدائمة والمشايخ ابن باز والألباني وابن عثيمين رحمهم الله تعالى .
الاغتسال للعيدينِ :
ويسن الاغتسال ليومِ العيد لما رواه البيهقي عن زاذان قال : ( سأل رجل علياً رضي الله عنه عن الغسلِ ؟ قال : اغتسل كل يومٍ إن شئت ، فقال : لا ، الغسل الذي هو الغسل ، قال : يوم الجمعة ، و يوم عرفة ، و يوم النحر ، و يوم الفطر ) وقال الألباني سندهُ صحيح .
مخالفة الطريق:
ومن السنة أن يذهب إلى صلاةِ العيد ماشياً في طريق، وأن يرجع في طريق آخر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: { كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيرهِ } .
عدم حمل السلاح في العيد
ويكره حمل السلاح في هذا اليوم المبارك ، فضلاً عن رمي الاطلاقات النارية، لأنه يوم فرح وسرور فلا يناسب ذلك فيه ، إلا لمن خاف عدواً فعن سعيد بن جبير قال: [ كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه فلزقت قدمه بالركاب فنزلت فنزعتها وذلك بمنى فبلغ ذلك الحجاج فجعل يعوده فقال الحجاج لو نعلم من أصابك ؟ فقال ابن عمر أنت أصبتني قال وكيف ؟ قال حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم ].
وقال الحسن { نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدوا }.
صلاةُ العيدِ في المصلى :
ويسن أداء صلاةُ العيدِ في المصلى وذلك لأن كل الأحاديث في صلاةِ العيدِ تشيرُ إلى ذلك، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في المسجدِ ولا مرة واحدة إلا حديثاً واحداً أنه صلاها مرة في يومِ مطرٍ في المسجد وهو حديثٌ ضعيفٌ ضعفه الشيخ الألباني، وهو لو صح فإنه لعلة وهي المطر .
وقال الشيخ الألباني في رسالتهِ ( صلاة العيدين في المصلى ): دلالة الأحاديث على أن السنة الصلاة في المصلى .
إذا عُرِفَتْ هذه الأحاديث فهي حجة قاطعة على أن السنة في صلاة العيدين أن تؤدى في المصلى و بذلك قال جمهور العلماء ، ففي " شرح السنة " للإمام البغوي : السنةُ أن يخرجَ الإمام لصلاة العيدين إلا من عذرٍ فيصلي في المسجدِ . وترجم البخاري : بابُ الخروجِ إلى المصلى بغيرِ منبرٍ . والمصلى مكان واسع خارج البناء وكان يسمى الجبانة ، ولا يشترط أن يكون بعيداً عن البناء لان المصلى الذي كان يخرج اليه النبي صلى الله عليه وسلم كان قريباً عن مسجده ، ولا يصح قولهم أن المسجد كان يضيق بالمصلين يوم العيد ومن أجل ذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس إلى المصلى وأما المساجد الآن فهي كبيرة تستوعب المصلين ، فهذه دعوى عارية عن الدليل لا تقاوم السنة الثابتة من فعله صلى الله عليه وسلم ، ثم هذه الدعوى احتمال ، وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال ، كما قال العلماء ، وأيضاً فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر الحُيض والنُفَساء أن يخرجن إلى المصلى ، فأين تجعلوهن في المسجد ، وقد منع الشرع من مكوثهن فيه ، فلله در القائل :
وخير الأمور ما كان سنةً وشر الأمر المحدثات البدائع.
وقتُ صلاةُ العيدينِ :
وتبدأُ صلاة عيد الأضحى إذا ارتفعت الشمسُ مقدار رمحٍ و ذلك لكي يتعجل المسلم لذبحِ أُضحيتهِ ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرجع من الصلاة فيذبح الاضحية ويأكل من لحمِ أُضحيته ، عن بريدة رضي الله عنه قال: { ولا يُطعم يوم الأضحى حتى يرجع }.
وأما في عيدِ الفطرِ فإنه كان يأكل قبل الذهاب إلى الصلاة ، يأكل تمرات وتراً ، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات . و قال مرجأ بن رجاء حدثني عبيد الله قال حدثني أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم و يأكلهن وترا }.
ولذلك فإنها تتأخر قليلاً عن صلاة الأضحى.
صفةُ صلاةُ العيدين :
ويبدأ فيصلي صلاة العيدين ركعتانِ يكبر في الأولى سبعَ تكبيراتٍ عدا تكبيرةَ الإحرامِ وذلك قبل القراءة وفي الثانيةِ خمسُ تكبيراتٍ عدا تكبيرةُ الإنتقال قبل القراءة أيضاً ، ويسن للمصلي أن يقول بعد كل تكبير: الحمد لله ويثني على الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، قال عقبة بن عامر: سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد قال يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم رواه الأثرم وحرب واحتج به أحمد ) وصححه الشيخ الالباني برقم 642 ،ارواء الغليل .
وقال شيخ الاسلام رحمه الله: وَأَمَّا بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ: فَإِنَّهُ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ. هَكَذَا رَوَى نَحْوَ هَذَا الْعُلَمَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَإِنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي كَانَ حَسَنًا. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. وَنَحْوُ ذَلِكَ.
ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة ق و في الثانية ب اقتربت ، أو سبح و الغاشية، فعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأُ في العيدينِ و في الجمعةِ بسبح اسم ربك الأعلى و هل أتاك حديثُ الغاشية } ثم يقوم الإمام تجاه الناس فيعضهم و يذكرهم بأهم الأمور، خطبة واحدة ، لم يصح أنه كان يكبر فيها . عن أبي سعيدٍ الخدري قال: { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شئٍ يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس و الناس جلوس على صفوفهم فيعضهم و يوصيهم و يأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه أو يأمر بشئ أمر به ثم ينصرف }
لا أذانَ لها و لا إقامة:
ما كان النبي صلى الله عليه سلم يؤذن لها ولا يقيم ، عن جابر بن سمرة قال : { صليتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه و سلم العيدين غير مرةٍ و لا مرتين بغيرِ أذانٍ و لا إقامةٍ } و مثله عن جابرٍ بن عبد الله و ابن عباسٍ رضي الله عنهم .
وما كان يصلي قبل صلاة العيدِ و لا بعدها في المصلى، فعن ابن عباس: { أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصلي قبلها و لا بعدها } فليس لها صلاة تحية مسجد ، لأن المصلى ليس له حكم المسجد .
ويشرع له أن يصلي ركعتين في بيته إذا رجع فعن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين]
حكمُ صلاة العيد :
وحكم صلاة العيد الوجوب وجوبا عينيا وذلك لقول الله تعالى ( فصل لربك و انحر) [ الآية 2 من سورة العصر ] و الصلاةُ هنا هي صلاة العيدِ، ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر النساء أن يشهدنها و يصلين بل حتى الحيض والنفساء أمرهن أن يشهدنها و لا يصلين بل يكن وراء الناس وذلك من تعظيم شعائر الله ، عن أُم عطية قالت : { أمرنا أن نُخْرِج الحيض يوم العيدين و ذوات الخدور فيشهدان جماعة المسلمين و دعوتهم و يعتزل الحيض عن مصلاهن قالت إمرأة يا رسول الله إحدانا ليس لها جلباب ؟ قال ( لتلبسها صاحبتها من جلبابها ) } .
فمن هذا استنبطَ كثيرٌ من العلماء وجوب صلاة العيدِ منهم الأحناف والمشايخُ شيخ الإسلامِ ابن تيمية والألباني وابن عثيمين رحمهم الله وغيرهم ، وأيضاً فصلاة العيد تجزئ عن صلاةِ الجمعةِ و هي فرضُ عينٍ و هذا دليلٌ قويٌ على فرضية صلاة العيدِ .
وأما الخطبة فالاستماع إليها سنة فعن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال : [ حضرت العيد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم . فصلى بنا العيد ثم قال ( قد قضينا الصلاة . فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس . ومن أحب أن يذهب فليذهب ) ].
اجتماع العيد والجمعة :
وإذا اجتمع العيدُ والجمعةُ فإن صلاة العيد تجزئ عن صلاة الجمعة ، عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال { قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة و إنا مجمعون } قال عمر عن شعبة [قال الشيخ الألباني : صحيح] . وعن عطاء بن أبي رباح قال: ( صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدنا و كان ابن عباسٍ بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال أصاب السنة )[قال الشيخ الألباني : صحيح].
وقال عطاء : ( اجتمع يوم الجمعةِ و يوم الفطرِ على عهدِ ابن الزبير فقال عيدان اجتمعا في يومٍ واحدٍ فجمعهما جميعاً جميعاً فصلاهما ركعتين بكرةً لم يزد عليهما حتى صلى العصر )[ قال الشيخ الألباني : صحيح].
وعلى الإمام أن يصليها بمن حظر للحديث: عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال:(" قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون ")[قال الشيخ الألباني : صحيح] .
وقال شيخ الاسلام رحمه الله: الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ، لَكِنْ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ لِيَشْهَدَهَا مَنْ شَاءَ شُهُودَهَا، وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ. وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ: كَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ. وَلَا يُعْرَفُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ.
وَأَصْحَابُ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا اجْتَمَعَ فِي يَوْمِهِ عِيدَانِ صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، وَفِي لَفْظٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ فَلْيَشْهَدْ، فَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ الْعِيدَ حَصَلَ مَقْصُودُ الِاجْتِمَاعِ، ثُمَّ إنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ، فَتَكُونُ الظُّهْرُ فِي وَقْتِهَا، وَالْعِيدُ يُحَصِّلُ مَقْصُودَ الْجُمُعَةِ. وَفِي إيجَابِهَا عَلَى النَّاسِ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِمْ، وَتَكْدِيرٌ لِمَقْصُودِ عِيدِهِمْ، وَمَا سُنَّ لَهُمْ مِنْ السُّرُورِ فِيهِ، وَالِانْبِسَاطِ. فَإِذَا حُبِسُوا عَنْ ذَلِكَ عَادَ الْعِيدُ عَلَى مَقْصُودِهِ بِالْإِبْطَالِ، وَلِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِيدٌ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ عِيدٌ، وَمِنْ شَأْنِ الشَّارِعِ إذَا اجْتَمَعَ عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَدْخَلَ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى كَمَا يَدْخُلُ الْوُضُوءُ فِي الْغُسْلِ، وَأَحَدُ الْغُسْلَيْنِ فِي الْآخَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
التهنئة بالعيد
تستحب التهنئة بالعيد وهي أن يقول المسلم لأخيه المسلم إذا لقيه في يوم العيد وأيام التشريق : تقبل الله منا ومنك" فعن جبير بن نفير قال : [ كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك ] والأمر في التهنئة واسع لأنه من قبيل العادات مثل أسعد الله أيامكم وغير ذلك ويتجنب المسلم ما كان من عادة الكفار مثل (كل عام وأنتم بخير) والله أعلم.
النهي عن صيام العيدين :
ولا يجوز أن يصام يوم العيدِ لا صيامَ نفلٍ ولا قضاء لفائت ولا أداء لكفارة، فعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن صيامِ يومين يومُ الفطرِ ويومُ النحرِ } .
وأخيراً أسألُ الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم العظيم القويم و إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ومنهج سلفهم الكرام إنهُ سميعُ عليم كريم . وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .
كتبهُ سعد النايف
