الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وأصحابه الطاهرين الطيبين أجمعين إلى يوم الدين وسلم اللهم تسليماً مزيداً...أما بعد:
جزى الله خيراً جميع المشايخ الذين يدافعون عن السنة من تحريفات المخالفين، الذين كتبوا في الرد على من خالف النصوص الشرعية الواضحة في إخراج القيمة النقدية بدل الطعام في زكاة الفطر، بما يغني عن الإعادة، وذكر النصوص الواردة في ذلك، فقد أجادوا وأفادوا...
ولكن توجد بعض الشبه التي أشكلت على بعض الناس، وقد أطلقها بعض من ينتسب للعلم في هذا الزمان ممن حُرموا لذة العبودية بالتسليم لنصوص الوحي.
وهؤلاء المحرومون لبّسوا على بعض الناس، وأشكلوا عليهم عبادتهم، فطلب مني أحد الإخوة مناقشة هذه الشبه والجواب عليها، فاستجبت له مع شيء من الاختصار.
🔸فأقول مستعيناً بالله تبارك وتعالى إن زكاة الفطر فرضها الله تعالى طعاماً، كما جاءت بذلك النصوص الصريحة المفصّلة، وبيّنها النبي صلى الله عليه وسلم بياناً شافياً بما لا يترك مجالاً لمتباكٍ على الفقير وحاجته للمال بدل الطعام، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لا ينطق إلا بوحيٍ من الله عز وجل، {وما كان ربك نسياً}، ولأنه صلى الله عليه وسلم أعلم بما ينفع الفقير، وهو القائل عن زكاة الفطر: (طعمة للمسكين)، ولأن زكاة الفطر عبادة وهي إخراج الطعام في يوم العيد واغنائه عن المسألة ليشارك المسلمين فرحهم، هذا هو الأصل، لكن بعض من ذكرنا أبى إلّا أن يجادل بالباطل وبالهوى، ويخالف النصوص الصريحة، بجملة من الشبه، ولعلّي في وقتٍ آخر أحاول مناقشة جميع الشبه، لأني في هذا الجواب قد ناقشت بعضَها بما يغني إن شاء الله تعالى عن الباقي، فمن هذه الشبه التي أردت مناقشتها:
▪️الشبهة الأولى: يقولون: أجاز إخراج قيمة زكاة الفطر بدل الطعام مجموعة من الصحابة وهم: عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عبّاس، ومعاذ بن جبل.
ويحتجون على ذلك بما جاء في مصنف ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة، عن زهير، قال: سمعت أبا إسحاق، يقول: «أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام»
وهذا تلبيسٌ واضحٌ نسأل الله السلامة والعافية، وذلك للأسباب التالية:
🔹أولاً. هذا الأثر لم يذكر فيه الصحابة، وهم: (عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عبّاس، ومعاذ بن جبل)، وهذا من التلبيس على الناس،...نسأل الله العافية والسلامة، والله المستعان.
🔹ثانياً. إذا صح هذا الأثر فإنه لا يعني أن هؤلاء الذين عناهم بقوله، كانوا يعطون القيمة إلى الفقير بدل الطعام، وهذا احتمال وارد، خاصةً إذا علمنا أن الوكيل على الصدقات له أن يأخذها نقداً، ويشتري بها طعاماً للفقير، وهذا الأمر كان معمولاً به ولا زال، والوكالة في زكاة الفطر جائزة معلومة، فالاحتمال وارد على ذلك، وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال، فكيف نترك النصوص الصحيحة الصريحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونتمسك بآثار فيها احتمالات، وفيها مخالفة صريحة للنصوص الصحيحة؟.
🔹ثالثاً. جاءت الآثار الصريحة عن هؤلاء الصحابة أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر طعاماً، كما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك:
جاء في مصنف ابن أبي شيبة برقم (10366):عن ابن عمر، أنه كان «يستحب التمر في زكاة الفطر».
وبرقم (10354): عن ابن عمر، قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، صدقة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير». وغيرهم من الصحابة الكثير.
كما جاء عن علي بن أبي طالب، وعن ابن مسعود، وعن ابن عباس، وعن عبد الله بن شداد، وعن أسماء بنت أبي بكر....وغيرهم، كلهم كان يخرجها طعاماً.، ولم أجد دليلاً صريحاً عن أحد من الصحابة كان يخرج القيمة في زكاة الفطر، ولو وجد ذلك فمعلوم عندنا لو تعارضت أقول الصحابة فالرجوع إلى النصوص من القرآن والسنة، كما قال تعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
والأدلة الصحيحة الصريحة تنطق بأن صدقة الفطر لا تكون إلا طعاماً.
▪️الشبهة الثانية: كان عمر بن عبد العزيز يخرجها نقداً.
وحجتهم على ذلك بما جاء في مصنف ابن أبي شيبة برقم (10469):سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ إلى عدي بالبصرة : يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم ، عن كل إنسان نصف درهم.
وبرقم (10470): جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كل إنسان، أو قيمته نصف درهم.
