⚡️تحذير طالب العلم من العجب والتكبر⚡️
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه اجمعين .
أما بعد : فقد يصاب طالب العلم بمرض قلبي خطير ، الا وهو العجب والتكبر على الناس بعلمه .
اعلم رحمك الله أن الكبر خلق باطن وأما ما يظهر من الأخلاق والأفعال فهي ثمرة ونتيجة وتسمى تكبراً.
فقد ذم الله سبحانه وتعالى الكبر في كتابه ، فقال :(( إنه لا يحب المستكبرين)) وقال (( ولا تصعر خدك للناس )) واما في السنة :
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه؛ العجب". صحيح الترغيب والترهيب.
وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إن الله أوحى إلي أن تواضعوا؛ حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد".
رواه مسلم .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك:
ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك: ضع حكمته". رواه الطبراني.وحسنه العلامة الألباني .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولما كان أصل دين اليهود الكبر عاقبهم بالذلة: {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا} . ولما كان أصل دين النصارى الإشراك لتعديد الطرق إلى الله أضلهم عنه؛ فعوقب كل من الأمتين على ما اجترمه بنقيض قصده {وما ربك بظلام للعبيد} . كما جاء في الحديث: {يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة في صور الذر يطؤهم الناس بأرجلهم}. مجموع الفتاوى (٦٣٨/٧)
وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: من كانت معصيته في شهوة، فارج له التوبة، فإن آدم عليه السلام عصى مشتهيا فغفر له، فإذا كانت معصيته من كبر، فاخش عليه اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبرا فلعن. مختصر منهاج القاصدين .
(ص: ٢٢٧).
وقال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى :
فالتكبر يدعو إلى الظلم والكذب، وعدم الإنصاف في القول والعمل، يرى نفسه فوق أخيه؛ إما لمال وإما لجمال وإما لوظيفة وإما لنسب وإما لأشياء متوهمة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (( «الكبر بطر الحق وغمط الناس» ))[6] يعني رد الحق إذا خالف هواه هذا تكبر، وغمط الناس احتقار الناس، يراهم دونه وأنهم ليسوا جديرين بأن ينصفهم أو يبدأهم بالسلام، أو يجيب دعوتهم أو ما أشبه ذلك. وإذا تذكر ضعفه وأنه من نطفة ضعيفة من ماء مهين وأنه يحتاج إلى حمام لقضاء الحاجة، وأنه يأكل من هنا ويخرج من هنا، وأنه إذا لم يستقم على طاعة الله صار إلى النار عرف ضعفه، وأنه مسكين ولا يجوز له أن يتكبر. انتهى.
وقال العلامة العثيمين رحمه الله:
" ولا ينبغي إطلاقا للإنسان الذي مَنَّ الله عليه بالعلم أن يترفع على الناس بعلمه ويقول: أنا أفضل منهم، وأنا قد رُفعت درجات، فإن الإنسان إذا أُعجب بعمله كان ذلك آية الخسران وآية الخيبة، فليحذر الإنسان -أعني: طالب العلم بالذات- ليحذر من العجب؛ فإن العجب سبب للخذلان والحرمان.
وليحذر من التكبر فإنه ليس من العقل إذا مَنَّ الله عليك بعلم وعرفت ما في حسن الخلق من الفضل والأجر أن تذهب وتتكبر على الناس بما مَنَّ الله به عليك؛ ولهذا تجد الناس يأخذون من طالب العلم حسن الخلق أكثر مما يأخذون ممن هو فوقه في العلم، ولكنه دونه في حسن الخلق؛ وذلك لأن الإنسان ينبغي أن يكون أليفا ومألوفا، مخالطا للناس على الوجه الذي فيه الخير والصلاح ." شرح منظومة القواعد والأصول (ص:٥)
وقال في الباب المفتوح : بعض طلاب العلم الآن أجفى من الأعراب، لا عنده بشاشة ولا تسليم ولا تواضع بل بعض الناس كلما ازداد علمًا يزداد كبراً والعياذ بالله. انتهى الباب المفتوح .
وقال العلامة ربيع في شرحه وصايا لقمان :
ثم قال : ﴿وَلاَتُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾
الصعر هو الميل؛ لا تتكبر على الناس؛ عندما يكلمك أحد تدير خدّك هكذا؛ هذا من الكبر يكلمك أحد فتعرض عنه وتلتفت هكذا وأنت شامخ؛ لا هشاشة ولا انبساط؛ يعني مستكبر ومتعالٍ !
فهذا نهي عن الكبر، ومن آثاره أن يلوي عنقه هكذا؛ يصعر خده للناس يعني يلويه هكذا . من الصعر وهو مرض يصيب الإبل فتلتوي أعناقها .
فهذا زجر عن الكبر، فعليك بالتواضع؛ التواضع لله رب العالمين، والتواضع لعباد الله المؤمنين، تعامل مع الناس بالأخلاق الطيبة، والكبر مذموم جدا ويدفع كثيرا من الناس إلى الكفر بالله! يستكبر فلا يستمع للرسل ولا يسمع لآيات الله﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾(لقمان 7) ....
ولا يجوز الكبر بأي حال من الأحوال؛ خلق ذميم ويبغضه الله....حارب نفسك من الكبر؛ خلق خبيث يدفع إلى الكفر وإلى احتقار الناس وإلى رد الحق. لهذا؛ هذا الحكيم وصى ابنه أن لا يصعِّر خده للناس؛ أن لا يتكبر على الناس؛ يكلمك أحد وأنت شامخ معرض عنه، تواضع؛ أنت إنسان مسكين، ضعيف، خُلِقت من تراب، خُلِقت من منِّيٍ قذر وتتغوط وتزور الحمام مرات كل يوم، كيف تتكبر ؟!
كيف تتكبر على الناس وأنت هذا حالك، من أنت ؟!
ثم لو تصيبك شوكة تبكي منها كيف تتكبر على الناس ؟!
فيجب على الإنسان أن يهين نفسه إذا تكبرت وشمخت ويذكِّرها بحقارتها ودناءتها، وأن من أحقر الناس المستكبرون -والله أنا في نفسي- ماأحتقر إلا المستكبرين والكذابين، والله أرى أضعف الناس فأقول هذا أحسن مني، وأرى المتكبر مهما كان من أي طبقة والله من أتفه الناس وأحقر الناس عندي؛ لا أحقر من المتكبر ولا يتكبر إلا من دناءة وانحطاط خلقي ونفسي. انتهى
فانصح نفسي واخواني بالاستعاذة من الكبر ورحم الله ابن القيم حين يقول :
ﻭﺳﻞ اﻟﻌﻴﺎﺫ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﺒﺮ ﻭاﻟﻬﻮﻯ ... ﻓﻬﻤﺎ ﻟﻜﻞ اﻟﺸﺮ ﺟﺎﻣﻌﺘﺎﻥ
ﻭﻫﻤﺎ ﻳﺼﺪاﻥ اﻟﻔﺘﻰ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻃﺮ ... ق اﻟﺨﻴﺮ ﺇﺫ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻳﻠﺠﺎﻥ
ﻓﺘﺮاﻩ ﻳﻤﻨﻌﻪ ﻫﻮاﻩ ﺗﺎﺭﺓ ... ﻭاﻟﻜﺒﺮ ﺃﺧﺮﻯ ﺛﻢ ﻳﺸﺘﺮﻛﺎﻥ
واعلم أن العجب هو سبب الكبر ، ولكي يسلم الإنسان من هذا الداء ، لابد له من الدواء ، والدواء يكمن في عدة أشياء منها :
١- تقوى الله ، وتذكر نعمة الله عليك .
٢- التمسك بالكتاب والسنة والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة .
٣- ذكر الموت والآخرة .
٤- ان تعرف حقيقة نفسك .
٥- مجاهدة النفس ومعارضة أسباب الكبر والعجب .
٦- اقرأ سير العلماء والصالحين وتواضعهم .
٧- ترك الهوى .
ونختم بحديث أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه قال:
".. وثلاث مهلكات ... وأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، إعجاب المرء بنفسه". السلسلة الصحيحة .
فاسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان ينجينا واياكم من الكبر والعجب وسائر الأمراض انه هو السميع العليم ، وان يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه : الشيخ أبو بكر بن شهاب الزوبعي
