هداية الحيران في قيام العشر من آخر رمضان


                                 
                 
   بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: 
🔷️فإنه مما ينبغي أن يعتنى به من مسائل العلم مسألة قيام رمضان وخصوصاً في العشر الأواخر منه، فقد يقع كثير من الناس في حيرة عند حلول هذا الشهر الكريم وعند العشر الأواخر منه،
هل يصلون في بداية الليل بعد العشاء تلك الصلاة الموصوفة بالسرعة وقلة القراءة فيها، أم لهم أن يؤخروا القيام إلى آخر الليل إلى صلاة طويلة تستغرق وقتاً هي أقرب من حيث الطول والعدد إلى السنة،  وسبب الإشكال في ذلك هو ما فهموه خطئاً من كلام بعض علمائنا الأفاضل في هذه المسألة، والحكمة ضالة المؤمن أنّا وجدها التقطها، وعلى كل حال فالمسألة فقهية فهي محل اجتهاد ونظر من أهله، وهي سنة [القيام]  أسأل الله تعالى أن يجعل لنا فيها من النصيب أوفره .


قال الله تعالى: ( يا أيها المزّمل قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا )[المزّمل2، 3، 4] وقيام الليل كان واجباً عليه صلى الله عليه وسلم ثم نسخ الوجوب في أواخر هذه السورة [الزمر]، والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم أمر لأمته عن طريق التبع .
وقال تعالى: (إِنَّ هُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذاريات الآيات16-17-18] .
قال مجاهد: "كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَنَامُونَ "[تفسير مجاهد] 
◽وهذ المدح والثناء لهؤلاء الأخيار فيه تحضيض وتشويف وتشويق للعمل بما حازوا عليه من ذلك السبق ومنه قيام الليل .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ»
[متفق عليه، رواه البخاري برقم1152 ومسلم برقم1159 ] .
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ، فَكَأَنِّي لاَ أُرِيدُ مَكَانًا مِنَ الجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ إِلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ، فَقَالَ: لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ، فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى رُؤْيَايَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) 
[رواه البخاري برقم1156] . 
◾وبذلك يتبين فضل ومنزلة ذلك العمل الجليل ألا وهو قيام الليل حيث حض النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأصحاب مع منزلتهم الرفيعة من الصحبة، والفضل، والقرب منه صلى الله عليه وسلم، والهجرة، والجهاد معه، ومع ذلك فقد حضهم ورغبهم في قيام الليل لما فيه من الأجر الجزيل والسبق عند الله تعالى .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ».
[رواه النسائي برقم1613 وقال الشيخ الألباني: صحيح] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أيضاً، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
[متفق عليه، البخاري برقم37 ومسلم برقم759] .
 وبهذا يتبين أيضاً أن قيام رمضان له مزية وفضل على غيره من أيام السنة، مع ما فيها من الخير والفضل، لكن شهر رمضان يتأكد فيه استحباب القيام، ورتب الشرع على قيامه ذلك الأجر العظيم، ومنه مغفرة السيئات جميعها إذا اجتنبت الكبائر .  
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ، وَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: «قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ» وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ)
[متفق عليه، البخاري برقم1129 ومسلم برقم761] . 
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: (صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ، فَلَمْ يَقُمْ بِنَا حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنَ الشَّهْرِ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا فِي السَّادِسَةِ، فَقَامَ بِنَا فِي الْخَامِسَةِ حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ، قَالَ: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ»، ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ بِنَا وَلَمْ يَقُمْ حَتَّى بَقِيَ ثَلَاثٌ مِنَ الشَّهْرِ، فَقَامَ بِنَا فِي الثَّالِثَةِ، وَجَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ حَتَّى تَخَوَّفْنَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ، قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ).
[رواه الخمسة، أحمد والنسائي برقم1364 وأبو داود برقم1375 والترمذي برقم806 وابن ماجة برقم1327 وصححه الشيخ الألباني] .

🔹️وبهذا يتبين أن قيام رمضان السنة فيه أن يفعل مع الإمام في المسجد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاستمرار في ذلك خشيت الفرضية على أمته، ولا عجب في ذلك فهو الرؤوف الرحيم بهم .

وعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ، ( كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي»).

[متفق عليه، رواه البخاري3569 برقم ومسلم برقم738] .

وعن عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ - تَعْنِي بِاللَّيْلِ - فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ المُؤَذِّنُ لِلصَّلاَةِ».

[رواه أحمد والبخاري برقم994 والنسائي وابن ماجة وغيرهم] .

🔸️فأنظر أخي المسلم إلى هذه الصفة الرائعة لصلاته صلى الله عليه وسلم من طولها وحسنها والتي ينعدم أو يعز نظيرها في هذا الزمان، والله المستعان، وفي ذلك أيضاً أن هذه الأربع يسلم فيها من كل ركعتين كما جاء ذلك متضحاً من حديث عائشة رضي الله عنها حيث بينت أنه كان ينصرف من كل ركعتين في بيان لها عن صفة صلاته من الليل صلى الله عليه وسلم، وكما جاء في حديث ابن عمر أيضاً ما يبين ذلك كما سيأتي فيما بعد . 

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: (خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: «إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ» ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: «نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ» يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ).

[رواه مالك والبخاري برقم2010] .

وذلك أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على قارئ واحد وهذه هي السنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكنه خشي أن تفرض على الأمة فيحصل لها تكليف جديد قد يعجزون عنه لذلك توقف النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بهم في تلك الحال، فلما زال ذلك الخوف بعد موته وذلك باستقرار الشريعة وأمن الفرضية أعاد عمر رضي الله عنه الناس إلى سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وقوله نعمت البدعة يعني نعم الصنع الذي قام به رضي الله عنه، وهو تعبير لغوي وليس المقصود من ذلك البدعة بمعنى الزيادة في الشريعة فتلك محرمة، ولا تقع منه رضي الله عنه لأن عمله سنة أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعها ، وفي هذا الأثر أيضاً أن القيام في آخر الليل أفضل من أوله، لكنه فعل المفضول رفقاً بالأمة، ولا ريب أنه ينبغي مراعات ذلك، كما فعل عمر رضي الله عنه ذلك في أمره بالقيام من أول الليل في رمضان، لكن العشر الأواخر فيها مزيد اعتناء فالأفضل فيها أن يكون القيام من آخر الليل كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لمن أراد الحصول على الأجر الأوفى، وموافقة سنته صلى الله عليه وسلم في ذلك .

وعن ابْنَ عُمَرَ، يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فإِذَا رَأَيْتَ أَنَّ الصُّبْحَ يُدْرِكُكَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ». فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: مَا مَثْنَى مَثْنَى؟ قَالَ: «أَنْ تُسَلِّمَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ»

[متفق عليه، رواه البخاري برقم995ومسلم برقم749] 
وفي ذلك ما يبين أن سنته صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل والنهار أيضاً أن يسلم من كل ركعتين كما مر آنفاً، وتلك هي السنة والأفضل من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم مع جواز أن يصليها جميعاً في تسليمة واحدة كما جاء في بعض الأحاديث ما يبين ذلك . 
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ»
[رواه أحمد والبخاري برقم996] .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ»
[متفق عليه، البخاري برقم2024 ومسلم برقم1174] .
¤وهذا يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يولي العشر الأواخر من شهر رمضان بمزيد اعتناء من إحياء الليل كله، وإيقاظ أهله لأجل ذلك، والجد والاجتهاد المفهوم من شد المئزر، وأنه لا حرج في تأخير القيام إلى ما بعد منتصف الليل .
وعن ابن عمر قال: (َ كَانُوا لاَ يَزَالُونَ يَقُصُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا أَنَّهَا[يعني ليلة القدر] فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ».
[متفق عليه، رواه البخاري برقم1157ومسلم برقم1165] . 
وهذا أيضاً ما يدل على مزيد اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالأواخر من شهر رمضان لأن فيه ليلة ينعدم نظيرها من حيث الأجر، فهي كما وصفها الله تعالى بأنها (خير من ألف شهر) وتحصيل ذلك لا يتم إلا بقيام هذه العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم .   
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ».
[رواه أحمد ومسلم برقم 1175 والترمذي برقم796 وابن ماجة برقم1767] .
■فمن خلال هذه الأحاديث يتبين لك أخي المسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص العشر الأواخر من رمضان من الأعمال ما لا يفعله في بقية الشهر وذلك لمزيتها وتميزها على بقية الشهر ولأن فيها ليلة القدر التي وصفها الله تعالى بأنها: (خير من ألف شهر) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحري والتماس هذه الليلة الكائنة في هذه الليالي العشرة فلا عجب أن من يطيل القيام فيها أكثر من بقية الشهر يكون أوفق للسنة وأتبع للرسول صلى الله عليه وسلم ممن ساواها بغيرها من ليالي شهر رمضان، ولا ريب أن الليل كله محل للصلاة كما في حديث عائشة رضي الله عنها: (من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى وتره إلى السحر) والمقصود هو قيام الليل الذي كان يقومه صلى الله عليه وسلم والذي ينتهي بالوتر . 
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ 
[متفق عليه، البخاري1145 ومسلم برقم758] . 
وهذا يرجح صلاة آخر الليل على أوله لأنه وقت النزول الإلهي، وفيه القيام الطويل والدعاء والاستغفار، فينال المسلم فيها من الأجر، وإجابة الدعاء، ومغفرة الذنوب ما لا يناله في أول الليل، وأنها صلاة محضورة مشهودة 
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً، ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ}، ثُمَّ «قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً»، ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ، «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ».
[رواه البخاري برقم 4569 والنسائي وأبو داود] .
وعن عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ، قُالُ: ( قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ مِنْ سَاعَةٍ أَقْرَبُ مِنَ الْأُخْرَى أَوْ هَلْ مِنْ سَاعَةٍ يُبْتَغَى ذِكْرُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ. إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ...).
[رواه النسائي برقم572 والترمذي برقم3579 وغيرهما، وقال الشيخ الألباني: صحيح] . 
□وفي هذا أيضاً ما يبين منزلة القيام من آخر الليل لأنه وقت القرب من الله تعالى، فهناك قرب للعبد من الله تعالى وهو في السجود، وقرب له منه تعالى آخر وهو في آخر الليل .
▪وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما الفرق بين صلاة التراويح التي تكون بعد صلاة العشاء، وصلاة القيام التي تكون في آخر الليل في رمضان؟  فأجاب: لا فرق بينهما. 
صلاة التراويح في أول الليل أو في آخر الليل, لكن الناس في أيام العشر من الأواخر من رمضان يحبون أن يحيوا الليل اقتداءً بالرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان في العشر الأواخر يحيي الليل كله.
فلهذا جعلوا القيام في آخر الليل, والصلاة الخفيفة التي يسمونها التراويح في أول الليل, ولا بأس بهذا.
 [سلسلة لقاءات الباب المفتوح  اللقاء الباب المفتوح 107]
▪وسُئل الشيخ الألباني رحمه الله: 
بعض أئمة المساجد يصلي التراويح أربع ركعات ثم يوكل شخص يصلي الأربعة الباقية ثم يأتي هو وجماعة من الشباب فيصلون الأربعة الباقية من آخر الليل فهل يجوز هذا؟ 
فأجاب: لماذا لا يوكِل في الأربعة الأولىً! وإنما هو يقسمها قسمين حتما هذا الشيء ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ممكن هو يترخص في محاضرة في الأفضل كما قال عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل،  فإذا أراد هو [الإمام] أن يحييها في آخر الليل مع ناس من الشباب الذين يحبون السنة وإحيائها، يوكل واحد يصلي بهم بعد صلاة العشاء ثم هو يصلي مع جماعته، وأما  تقسيمها إلى قسمين فلا أجد له مبرراً، أما الصلاة التي يريد أن يصليها[من آخر الليل] فيعلنها جماعة ويخيرهم، هل تريدون أن تصلوا معنا من آخر الليل فبها ونعمت، وإلا فيوكل واحد يصلي بهم [شو فيها].
[متفرقات الشيخ الألباني شريط86 فقرة14] .
هذا والله أعلم وصل اللهم على نبينا محمد على آله وصحبه وسلم .
✍كتبه:الشيخ سعد النايف وفقه الله 
22- رمضان - 1437
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم ينشر المنهج الحق ©2023 إتباع السنة نجاة
تصميم : اخ الاسلام